ليس ياسر عودة رجل دين عادياً، فهو يواجه كثيراً من التهجم عليه كونه يدعو فقط إلى رفع الظلم الاجتماعي عن المواطنين اللبنانيين، وهو تهجم يتهمه بتجاوز المرجعيات السياسية والدينية
دفعه جدال مع ملحد إلى الانتساب إلى الحوزة الدينية لدراسة العلوم الإسلامية وفق المذهب الشيعي في فترة المراهقة، قبل أن يتحوّل إلى عدو يحاربه عدد كبير من أتباع المرجعيات السياسية والدينية الشيعية في لبنان، بالرغم من السنوات الطويلة التي أمضاها في التدرج العلمي الديني في الحوزات والتتلمذ على يد المرجع الراحل، محمد حسين فضل الله.
كلّ هذه المحاربة هي نتيجة لأفكاره التي طرحها خلال خطبه ودروسه في أحد مساجد الضاحية الجنوبية لبيروت، في المنطقة نفسها التي يقع فيها منزله الذي يستقبل فيه الزائرين بشكل دائم. هو ببساطة الشيخ ياسر عودة، الذي يقاطعه انقطاع التيار الكهربائي مراراً خلال حديثه “كمواطن وليس كشيخ” عن الهموم المعيشية للمواطن اللبناني الذي “يعاني من انقطاع التيار الكهربائي ومن الخوف على أبنائه وبناته وزوجته من التعرض للمضايقة أوالسرقة أو الحرمان من فرصة وظيفية بسبب الواسطة”.
أيّد عودة مطالب الحراك الشعبي والمدني في بيروت، على عكس معظم المرجعيات الإسلامية (سنية وشيعية) في لبنان، وأكد على المنبر “إكبار الحراك المدني، وتأييد مطالب الناس بصرف النظر عن طائفتهم”. لقي موقف الشيخ المؤيد للحراك مواقف معارضة شديدة اللهجة من مئات الشبان التابعين للأحزاب الشيعية الكبرى في لبنان، بسبب اعتبار هذا الدعم خروجاً عن المرجعية السياسية والدينية. كذلك، شكّل لجوؤه إلى التأويل الديني لهذا الدعم سبباً إضافياً لتأجيج المعارضة.
يقدم عودة خلال حديثة مثالاً من سيرة الصحابي أبي ذرّ الغفاري الذي اعترض على الظلم الذي لحق بالناس خلال حياته، فنفاه الحاكم الأموي ومات وحيداً بعيداً عن الناس، ويقول إنّ “من يتغنى بسيرة أبي ذرّ عليه أن يفعل مثله”. يلجأ كذلك إلى سيرة الإمام علي بن علي طالب، ويسميه بـ”الخليفة الأول عند الشيعة والرابع عند إخواننا السنّة” وهو يضحك بسبب استمرار الخلاف حول هذه النقطة حتى اليوم. يُذكّر بأنّ “الإمام علّم الناس النقد، وطلب منهم المشورة، وحذّرهم من مخاطبته كما خاطبت الأمم جبابرتها”.
يقوده الحديث عن الحراك الشعبي إلى الدعوة لـ”إقامة دولة مدنية عادلة في لبنان”. لا تُرهبه كلمة “المدنية” كمعظم رجال الدين في لبنان، ومُجدداً يلجأ إلى التأويل الديني وإلى سيرة النبي محمد للإشارة إلى طابع الدولة التي أسسها بعد وصوله إلى المدينة المنورة. يعتبر الشيخ عودة أنّ الاختلاف حول تسمية دولة النبي لا ينفي طابعها المدني “لأنّ الله منح الرسول الذي كان حاكم هذه الدولة مساحة واسعة للتحليل والتحريم وفق مقتضيات حاجة المجتمع أو المواطنين في المدينة، وهي حاجات ومصالح ومفاسد تختلف باختلاف الزمن، وبالتالي يصبح تطوير الأحكام أو القوانين لمراعاتها أمراً خارجاً عن سياق الوحي الديني المباشر”. يعتبر عودة أنّ “اللجوء إلى الإسلام لمعرفة الخطوط العريضة للدولة لا ينفي مدنيتها ولا يجعلها دينية، فقيم رفض الظلم أو رفض التعدّي على الآخرين هي قيم عامة، أما التفاصيل فتحددها حاجة المجتمع”. ويُذكّر بدعوة فضل الله إلى “إقامة دولة الإنسان”.
يُحمّل عودة رجال الدين مسؤولية المرحلة الحرجة التي وصل إليها الإسلام بسبب “تحولهم إلى قطّاع طرق إلى الله” كما “تفضيل الحسابات الشخصية والزعامات والإقطاع الديني على الدعوة إلى الإسلام ككلّ من دون تفرقة بين إسلام سنّي وإسلام شيعي”.
من جهة أخرى، يشير إلى أنّ التسنّن والتشيّع هما وجهتا نظر “لا يُفترض أن تؤديا إلى حالة الكره الشديد بين أبناء الطائفتين حول العالم، لأنّ القواسم المشتركة كبيرة، لكنّ الخطاب الوحدوي غير مرغوب فيه حالياً من قبل الكثير من المرجعيات لدى الطائفتين”. ينطلق عودة في حديثه عن المرجعيات الإسلامية من “اعتماد الآراء المغالية والمكذوبة والخرافية لدى السنّة والشيعة معاً، وذلك في كتب الحديث الستة عند السنة وفي كتب الحديث الأربعة عند الشيعة (كتب الأحاديث التي نقلها الصحابة عن الرسول وهي تحلّ في المرتبة الثانية للقدسية بعد القرآن الكريم). ويؤكد أنّ “العلماء لم يعملوا على تصحيح الأحاديث وتنقحيها بل روجوا لما يحقق مصالحهم السياسية والدينية فقط، ولجأوا إلى تأويل القرآن لصالح الأحاديث المكذوبة في مخالفة صريحة لأوامر الرسول الذي جعل من القرآن مرجعاً وحيداً يلجأ إليه المسلمون عند الاختلاف حول أمر ما”. ويتهم عودة مختلف المرجعيات بـ”اعتماد المنشأ الإخباري للأحاديث والروايات الدينية، التي تؤجج الطائفية، بدلاً من تحكيم العقل وكتاب الله”.
لا يُسقط الشيخ الحائز شهادات في العلوم الدينية والتاريخ الإسلامي العقل عند الحديث عن الإيمان، ويعتبر أنّ الإسلام أرسى “مدرسة الدليل الذي يصل إليه المؤمن من خلال العقل، وأينما دار الدليل ندور بعيداً عن جو الخرافات والبدع التي يعيش فيها معظم المؤمنين المُعبّأين طائفياً من مرجعياتهم”. يعتبر أنّ “العقل الديني تطور وأصبح أكثر تجربة وقدرة على النقد والتحليل وهو ما يُزعج المرجعيات التي حوّلت الطائفة إلى دين قائم بحد ذاته عند السنّة وعند الشيعة”. ويكرر عودة ما قاله فضل الله إنّ “العقل والدين ليسا على طرفي نقيض، وأيّ خلاف بين النصّ الديني والعقل أو العلم يستوجب مراجعة النصّ”.
تنعكس المشاكل الكبيرة التي يطرحها ياسر عودة في الخطاب الديني “المتخلف والفتنوي والمغالي الذي يبعد الناس عن الدين وعن الإسلام” ويعتبر أنّ “المشايخ الذين خرجوا من قمقم الحوزات إلى المنبر مباشرة من دون مخالطة المجتمع والتعرف على مشاكله وهمومه ولم يتحدثوا بلغة الناس” يطرحون “مسائل تثير الناس ضد الدين”. يتساءل الشيخ عن الفائدة من الحديث عن فتاوى إرضاع الكبير على الفضائيات أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويؤكد أنّ “هذه المواضيع تثير حفيظة المسلمين أنفسهم، فماذا ننتظر من غير المسلم الذي يسمع هذه الفتوى؟!”.
فاقمت مواقع التواصل الاجتماعي من أزمة الخطاب الديني بحسب عودة، الذي يؤكد أنّ معظم المشايخ الذين يستخدمونها “لا يميزون بينها وبين منبر المسجد المُغلق الذي يصل فيه الحديث إلى عشرات الأشخاص كحدّ أقصى على عكس مواقع التواصل التي تصل إلى مئات ملايين البشر”. ويدعو عودة رجال الدين إلى “إعادة النظر في أولويات الحديث على المنابر وعلى مواقع التواصل” لأنّ “كثيراً من القضايا التفصيلية التي يثيرها المشايخ تُنفّر الناس من الدين وتدفعهم دفعاً نحو الإلحاد في وقت يفقد فيه الإسلام الكثير من روحه وأصله”.
في هذا الإطار، حملت مواقع التواصل الاجتماعي والصفحة التي أسسها بعض الشبان لنشر دروس الشيخ، عشرات التهديدات بالقتل والتكفير من المعترضين على خطاب عودة وأفكاره، وذلك على الرغم من أنّ الشيخ لا يروّج لنفسه كمصلح سياسي يريد منافسة المرجعيات السياسية والدينية الحاكمة في لبنان، لكنّه يؤكد أنّ “هناك تشيّعاً غير التشيّع المطروح، وهناك فئة كبيرة غير مقتنعة، لكن لا حول لها ولا صوت، والكثير من الشيعة راضخون لمصالح أو أنّهم لا يستطيعون التعبير عن رأيهم لأسباب كثيرة”.