المصدر: المدن
مقتطفات من مقال
—
في ساحة الثورة
نزل ياسر عودة إلى ساحة الانتفاضة في يومها الأول، 17 تشرين الأول، وتفاجأ بكم المنتفضين الذين تعرّفوا إليه وحضروا للتحية. منهم من سأله “أنا ملحد وأحبك، هل تعرف ملحداً يحب شيخاً”؟ أجابه بابتسامة “نعم، أعرفك أنت”. وفي يوم آخر، في مليونية بيروت 28 تشرين الأول الماضي أيضاً، حضر. وضع نفسه بشكل تلقائي ومباشر مع مطالب الناس الذي دعمها منذ سنوات، منذ “طلعت ريحتكم”، وقبلها وبعدها. حضر ليكون منسجماً مع قناعاته، مع الناس. تماماً كما هي حاله في تنقّلاته وحياته اليومية، بين حيّ السلم حيث مسجد الإمام السجّاد إلى حارة حريك، حيث مقر مؤسسة السيد محمد حسين فضل الله، ومنزله الكائن في الوسط في منطقة المريجة. يرتاح عودة لكونه قريباً للناس، “أحمد الله أني لا أعيش في الحارة أو بئر العبد أو المناطق الأكثر يسراً من حيّي، لأني لم أكن لأشعر بجوع الجائع ولا الفقير وفقره”. فما يراه يومياً في ذلك الحي “لا يراه من هم من طبقة أخرى، أرى الناس كيف يعيشون وكيف يستجدون، كيف تُكسر موازنة منازلهم من أجل جرة غاز أو غيرها”. منذ 21 عاماً، هو على هذه الحال، في حين أنّ الأحزاب والإكليروس “لا يرون هذه التفاصيل، بالعكس، إذا وصل الفقير على بابهم يطرده الحراس”.
عصر الظلمات
ومن هذه اليوميات أيضاً، معركة متواصلة مع الفساد، في السلطة السياسية والدينية. في “عصر تعطيل العقل”، كما يقول ياسر عودة. من يستعمل عقله يستعمله بينه وبين نفسه، ولا يجرؤ على الكلام. وتعطيل العقول يتماشى تلقائياً مع “الجهل المقدّس أو الغباء المقدس، ويقود إلى الظلمات، وكأننا نعيش في ديكتاتورية سياسية ودينية حيث أنّ الإقطاع الديني أسوأ من الاقطاع السياسي لكونه يحكم باسم الله”. هذا الإقطاع “يركب الموجة ويسيطر على الخطاب ورجال الدين باتوا يعدّون الحساب للقوى الموجودة على الأرض والمرجعيات الدينية الأخرى المهيمنة”. لذا السيطرة تامة والإفلات من تلك المنظومة المزدوجة فائق الصعوبة. إذ يجتمع الخطاب الديني مع المال والسيطرة الميدانية والسياسية. ربما من هذه الظلمة خرجت مواكب الدراجات النارية وعاثت فساداً بين المعتصمين المنتفضين في بيروت والجنوب والبقاع. في حين توجّهت أخرى إلى محاور الحرب الأهلية الكلاسيكية، فنكء الجراح لعبة السلطة وأحزابها.
الأحزاب “المرياع”
يعرض عودة قصة “المرياع”. التيس الذي يتمّ خصيه ويربّى بعيداً عن أمه ومع الحمار. يكبر ليصبح تابعاً للحمار، فيمشي خلفه ويقود القطيع الذي رأى فيه قدوةً بسبب حجمه. المرياع قائد، لكنه في النهاية يمشي وراء الحمار. هذا واقع الأحزاب اللبنانية بحسب عودة. هذه نكته وبساطة توصيفاته وواقعيتها. المرياع هي الأحزاب، والحمار هي السفارات: “مع الأسف هكذا أصبحت أحزابنا، طوائفنا كريمة لكن أحزابنا لا تنتمي إلى لبنان بل مخلصة للخارج ومستعدة لتدمير البلد من أجل الخارج” يقول عودة. أحزاب وقيادات، من كل الفرق والألوان، تنفذ الأجندات الأجنبية المختلفة “وغير مستعدة لتكون لبنانية لعشرة أيام فقط”. هذه الأحزاب “شر بشر، ولا خير لديها إلا لنفسها وللخارج”.
الأمل المشروط
قد تبدو قراءته للأحداث الجارية على وقع الانتفاضة الشعبية محبطة، على اعتبار أنّ “الأحزاب تحركت على الأرض لإعادة الناس إلى المربّع الأولى إلى الحظائر والحرب”. الناس في الشارع “لهم الله”، وكسر الحزبية أمر صعب. لكن الأمل الفعلي هو باستمرار الانتفاضة كما بدأت “بالمطالب نفسها والسلمية، وكسر الحواجز الطائفية والقيود الحزبية، أن يستمرّ اللبنانيون في شعورهم بحاجتهم لبعضهم، في حاجتهم للعيش مع بعضهم”. أما لشباب الأحزاب، الذي يقمع التحرّكات، فعليهم أن يعرفوا أنه ” إذا جاع الشعب، فالكل جائع. وإذا مرض فالكل سيمرض، المطالب واحدة لكل أبناء الشعب”. ومن موقعه الديني أيضاً، يقول: “لا الزعيم سيدوم ولا الدولة ستعطيكم حقوقهم إذا كان الولاء أعمى، ولا الطائفة ستحميكم. من يقدس الزعماء، يقولون لهم جوعوا يكونون مستعدين، موتوا يكونون مستعدين، هؤلاء سيحاسبون يوم القيامة أكثر من الزعيم. قال عليّ عليه السلام: لا تبع آخرتك بدنيا غيرك. هؤلاء الشبان سيحاسبون حساب الزعيم وحساب ظلم الزعيم”.