المصدر: أساس ميديا
كما لو أنّه “مالئ الدنيا وشاغل الناس”، لشدّة شعبيته على مواقع التواصل الاجتماعي. يكره البدع، وكأنه من رجال السلفية ومعادلتها التي تقول: “كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار”.
في برعشيت، تلك القرية الجنوبية التي ما بخلت يوماً على الوطن بالدم والعطاء، كانت ولادته عام 1969. وسرعان ما تتلمذ على يد السيّد محمد ترحيني والشيخ ابراهيم الدماوندي، ليتخرّج من حوزة قم عام 1992، ثم التحق بالسيّد محمد حسين فضل الله. وهو حالياً أستاذ في “المعهد الشرعي الاسلامي” ببيروت، وعضو “هيئة أمناء مؤسسات المرجع الأول السيّد محمد حسين فضل الله”، وإمام “مسجد الإمام السجّاد” في حي السلم.
ألقاب كثيرة، لكنّها تصبّ في مكان واحد: هو ليس رجل دين، بقدر ما هو ناشط حقيقي من أجل الناس وبينهم، خصوصاً في مواقفه الجريئة والشجاعة، المعارضة لسياسة الثنائي الشيعي من قلب حيّ السلّم في الضاحية الجنوبية لبيروت.
يقول عنه السُنّة إنّه رجل حقّ. أما المسيحيون فيتغزّلون به قائلين: “إنه شبيه سيدنا المطران عودة”، فيما ينقسم الجمهور الشيعي حوله بين مؤيّد ومعارض، لما يقول، لكنّه على متابعته وسماع كلامه يجتمعون.
اللقاء مع الشيخ ياسر عودة في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت لا يحتاج إلى مقدّمات أو إلى تذاكٍ اعلامي كي تدخل مباشرة في الموضوع. فالرجل حاضر دائماً كي يكون صريحاً في ما يقول: “نحن الشيعة، لا نجيد العيش. متعلّقون بذاكرتنا المثقلة بالاضطهاد والألم، لا يمكن للشيعي أن يخرج من ماضيه، ليس لأنّ ماضيه يضغط عليه، إنّما لأنه لا يجيد العيش ولا يعرف معنى الحياة. يحمل القضية ويسير بها إلى النهاية، مخلص لقضاياه، ولكن في النهاية لا يعرف أن يعيش بالخروج من الماضي والتفكير بالمستقبل”.
لا يتردّد الشيخ ياسر بالجزم ، أنّ المفتي الجعفري أحمد قبلان في ما قاله في رسالة عيد الفطر، لا يعبّر عن موقفه الشخصي، بل هو يتكلّم باسم السلطة السياسية التي يخضع لها والتي ترفع شعار إسقاط الطائف للخروج من المأزق الاقتصادي والاجتماعي الذي وقعت فيه: “الكلّ يدرك حجم المأساة التي تنتظر اللبنانيين، ولكنّهم لا يعترفون بذلك. لذلك يطرحون قضايا خلافية استفزازية مثل إلغاء اتفاق الطائف”.
ويسترسل الشيخ عودة فيعتبر أنّ “الكلام عن إلغاء الطائف هو بمثابة اختبار ورسالة باتجاهات عديدة، من جهة للتخويف، ومن جهة أخرى للدعوة إلى عقد مؤتمر تأسيسي جديد. في حين أنّ المطلوب من الجميع، وتحديداً كبار رجالات السلطة، أن يغيّروا طريقة تفكيرهم.
برأيه أنّ المشكلة ليست في الصيغة ولا في الدستور ولا في رياض الصلح وبشارة الخوري، إنّما في غياب العدالة والمساواة”. ويسأل: “أيّ صيغة يتمّ الاتفاق عليها تصبح عملية. المشكلة أننا لا نطبّق الدستور ولا الطائف، فلنطبّقه كي نحكم عليه”.
يرفض عودة “أن نُخرج العملاء من السجون مقابل إصدار العفو” ويستغرب “كيف يخوضون معركة رئاسية والبلد ينهار”، ويكمل غاضباً: “كلّ واحد منهم مسؤول عن هذا الانهيار، ولا يهمّه كيف يمكنه حلّ المشكلة. لذلك نريد حكماً عادلاً ينصف، وقضاء مستقلاً”.
برز عودة قبل 10 سنوات، حين راح يدعو إلى “الدولة المدنية العادلة، لأنّ هذه الطوائف بلاء لبنان ووباؤه في الوقت نفسه. وإذا لم نستطع أن نتخلّص من مشاكلهم وإلغاء امتيازاتهم الطائفية فلن نصل إلى أيّ مكان”.
قيمة الشيخ المعارض والشجاع، أنّه يرى في الدين أنّه “جاء لخدمة الانسان وليس لاستغلاله، النبي صلى الله وسلم أقام دولة مدنية وليس إسلامية، وتعاطى مع الواقع على أساس المصالح وإبعاد المفاسد. واليوم، نحن في لبنان نعيش على نقمة الطوائف بدل أن نعيش نعمة التنوّع، لأنّ السياسيين يستغلون رجال الدين ويجعلونهم حماة السلطان. وطمع رجال الدين بالسلطة والمال هو ما أوصلنا إلى هذا الحال”.
يحذّر عودة من أنّ “اللبنانيين لم يشعروا بالجوع الحقيقي بعد”، ويتوقّع أن “نرى المزيد من الجوع في الأيام المقبلة”
في لبنان هناك ما يزيد عن الـ10 آلاف رجل دين من كلّ الطوائف: “لو كانوا ينطقون بما يريد عيسى ومحمد وعلي والحسين وأبو بكر وعمر، لكنا كلنا نزلنا إلى الأرض وتغيّرت المعادلات. لكنّنا لا نسمع إلاّ صوتاً واحداً في كلّ طائفة. هم باعوا آخرتهم بدنياهم، وأصبحوا حماة للسياسيين. ولبنان مجبول بهذه اللعبة منذ عشرات السنين”.
يحذّر عودة من أنّ “اللبنانيين لم يشعروا بالجوع الحقيقي بعد”، ويتوقّع أن “نرى المزيد من الجوع في الأيام المقبلة”. ويضحك “الشيخ ياسر”، كما يناديه المحيطون به، عندما تسأله عن ربط البعض تصريحات المفتي قبلان بتصريحات نائب رئيس “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى” علي الخطيب، بالصراع على رئاسة المجلس الشيعي، ويجيب: “علينا ألا يضحك بعضنا على بعض، فكلنا يعلم أنّ رئاسة المجلس الشيعي الأعلى بيد الرئيس نبيه بري، وهو وحده يتحكّم بمصير هذا المنصب”.
يسخر من طرح الفيدرالية باعتبارها “تقتل لبنان”، بالنسبة له “لبنان بلد صغير فكيف يمكننا أن نقسّمه إلى ولايات. كلنا متداخلون بالنَسَب وبالأرض”. ويأخذ سبب فتح سيرة الفيدرالية بأنّ “البعض يشعر أنّه خسر أرضيته الشعبية فيسعى إلى مشاريع شيطانية. وأقولها بكلّ صراحة: لولا حزب الله لسقط النظام، فهو حمى السياسيين عندما قال إنّ هذا العهد لن يسقط. وللأسف الشديد بعد إعطائه الغطاء والحماية عاد الأزلام لاستجماع قواهم”.
يخشى الشيخ ياسر من الفتنة ليس فقط بين السُنّة والشيعة، بل بين المسيحيين أنفسهم والأصعب بين المسلمين والمسيحيين ويحذّر منها: “للأسف قد يلجأ البعض إلى الفتنة للخروج من مآزقهم. هناك من سيمنع اللبنانيين من التمتّع بخيرات بلادنا. وها هي بوادر الفتنة بدأت تظهر في بلدة لاسا بجبيل، عبر شدّ العصب الطائفي. وكلنا مسؤول لتدارك ما يمكن أن يحصل. ما يحصل في لاسا قد يكون مشابهاً لما حصل ذات يوم في بوسطة عين الرمانة